lundi 17 juin 2013

محاولة نقدية لظاهرة الخمار

هذا النص كتبته قبل الثورة ببضع أشهر ( سبتمبر 2010). لم أغير فيه إلا بعض الكلمات و أقدمه على حالته لعله يفيد و يستفاد منه. 

عاد الخمار إلى شوارع بلادنا بصفة تثير الانتباه بعد احتجابه برهة من الزمن، خاصة خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي. يدفعنا ظهور الخمار للتطرق إليه ، كظاهرة غزت مجتمعنا، رغبة في المساهمة للدفاع عن مكاسب المجتمع المدني في إطار حوار حضاري مبدأه احترام الآخر مهما اختلفت آراؤنا. 
و ما نسعى إليه في الحقيقة هو محاولة إثبات وجوب الخمار من عدمه انطلاقا من الآيات الورادة بالقرآن الكريم. أي هل من واجب على المرأة ارتداء خمار يستر كامل جسدها أم كامل رأسها أو فقط  فتحة الصدر من اللباس؟ ( أي تغطية الصدر).
و سنتطرق لموضوع الخمار بتجزئته إلى جزئين. الجزء الأول مخصص للحديث عن المنهجية التي من خلالها يقع تحليل هذا الموضوع. و هذه المنهجية تتمثل أساسا في طرح قواعد عملية للتفسير في التشريع الإسلامي اعتمدها أغلب الفقهاء إن لم نقل كلهم. هذه القواعد هي نفسها يتعامل بها اليوم طـلاب القانون و الأساتذة، و رجال القانون بصفة عامة، في تأويل القواعد. نجد هذه القواعد الأربع في مجلة الالتزامات و العقود التونسية, مأخوذة من مجلة الأحكام العدلية التي صدرت في القرن التاسع  شر ميلادي في الـــدولة العثمانية. و هي:
-                   الرجوع إلى الظروف التي حفت بنزول النص . (الفصل 532 م إ ع)
-                   الاستثناء لا يمكن التوسع فيه و لا القياس عليه (الفصل 540 م إ ع)
-                   اعتماد الشرح اللغوي في تفسير الألفاظ . (الفصل 532 م إ ع)
-                   العبارات التي ترد مطلقة تأخذ على إطلاقها . ( الفصل 533 م إ ع )
أما الجزء الثاني فيتناول تفسير الآيات الثلاث التي تشير إلـى لباس الــخمار و الــحجاب و الجلباب ثم إبداء رأي حول النقاب و ذلك بعد تفسير هذه الألفاظ. و الآيات الثلاث هي :
{يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِن ذلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً} – سورة الأحزاب –الآية  53 "
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً* الأحزاب : 59
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدن زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 30ـ31‏]‏ ‏.‏
للإشارة، قبل البدء في التحليل، هناك حديثان نبويان في هذا المقام يستند إليهما دعاة الحجاب، الأول مروي على لسان عائشة زوجة الرسول " لا يحل لأمرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر إذا حركت ( إي إذا بلغت ) أن تظهر إلا وجهها و يديها إلى ههنا ( و قبضت على نصف الذراع )" و الحديث الثاني عن أبي داود عن عــــائشة : " أن اسماء بنت أبي بكر دخلت على الرسول فقال لها : يا اسماء ، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى فيها إلا هذا ، و أشار إلى وجهه و كفيه " هذان الحديثان لم يردا في الصحيحين فليسا كالأحاديث التي صح عليها الإقطاع و الإجماع[1] .
 و للتوضيح هذا الطرح ليس إلا إبداء وجهة نظر لا لاتخاذ موقف ضد الخمار و لا معه، إذ شعائر اللباس من الحريات الفردية، فكل منا حر في ارتداء ما يحلو له طالما لا يمثل ذلك تعديا على حريات و حقوق الآخرين و طالما لا يمثل ذلك خرقا للقوانين.
و للتوضيح، أيضا، فأن الحديث عن الخمار ليس دعوة لارتداء الملابس الخليعة...
كما يجدر بنا تعريف الخمار و الحجاب و النقاب و الجلباب قبل الخوض في جوهر المسألة :
الخمار : جمعه أخمُر و خُمُر. و خُمرٌ ما تغطي به المرأة رأسها. دار المشرق بيروت الطبعة الحادية و الأربعون 2005 .
الحجاب : حجب يحجب حجب و حجابا ستره. ( و تحجب عنه و احتجب) تستر عنه. و الحاجب البواب. دائرة المعارف القرن العشرين المجلد الثالث حرف الحاء.
          : من حجبه حجبا و حجابا حجَب : ستره تحجَب و احتجب تستر الحجاب جمعه حُجُب الستر و كل ما احتجب به. المنجد في اللغة و الإعلام. دار المشرق بيروت الطبعة الحادية و الأربعون 2005 . فيتبين من هذا أن الحجاب هو الستار.
النقاب : جمعه نُقُب : القناع تجعله المرأة على  مارن أنفها و تستر به وجهها. دار المشرق بيروت الطبعة الحادية و الأربعون 2005 .
الجلباب : و الجلبَاب جمعه جلابيب القميص أو الثوب الواسع. دار المشرق بيروت الطبعة الحــــادية و الأربعون 2005 .


الجزء الأول : منهجية التحليل
يمثل التطرق لهذا الموضوع محاولة متواضعة لمعرفة حقيقة وجوب ارتداء المرأة للخمار من عدمه لذلك من الأفضل أن نتوافق على منهجية الحوار. إذ اختلاف المنهجيات سوف يؤدي حتما إلى اختلاف التفسير بصفة لا نهـــاية لها، و ربما تؤدي، ذلك، إلى فوضى بسبب تعدد طرق التفسير فلا ننتهي إلى شيء. و في هذا يـــــقول ابن رشد في كــــتابه " تهافت التهافت" في الرسالة الثانية " الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة و تعريف ما وقع فيها بحسب التـــأويل من الشبه المزيفة و العقائد المظلة" (...إيضاح القواعد التي يجب أن يتمشى عليها الإنسان المفكر في تأويل ما يحتاج إلى تأويل من أقوال الشرع ...)[2]و بناء على كل هذا، سنعتمد القواعد الأربع قواعد كأرضية ننطلق منها لــتفسير الموضوع و هي كما يلي:



-                   1الرجوع إلى الظروف التي حفت بنزول النص . (الفصل 532 م إ ع)
نعلم جميعنا أن القرآن نزل على الرسول الكريم (ص) منجما[3].  و معناه أنه نزل مفرقا حسب الظروف أي حسب الوقائع و الأحداث. فكلما وقع حدث نزلت آية و من ذلك مثلا " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم (المجادلة: 1-2 ) و هي خولة بنت ثعلبة إذ تشتكي زوجها أوس بن الصامت. أو " و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا "( الإنسان الآية 8 ). و قد نزلــــت في علي كــــرم الله وجــــهه و زوجته.
إما الآية الثالث و هي ذات أهمية بالغة فهي " أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. (التحريم الآية 1). هذه الآية تتعدى بنا للقاعدة الموالية و هي :
-                   2 - الاستثناء لا يمكن التوسع فيه و لا القياس عليه (الفصل 540 م إ ع)
ما معناه أن الحرام لا يكون إلا بنص و هذا النص رباني ( أي قرآني ) و الحرام إذن هو استثناء إي حصر و ليس المبدأ. أما المبدأ فهو الحلال أي الإباحة أي حرية فعل أي شيء طالما ليس هناك أمر من الله بتحريمه. و ما هو محرم بنص لا يمكن التوسع فيه و لا القياس عليه إذ أن الله يختص وحده عز و جل بالتحريم، و القياس أو التوسع هو نوع من اكتساب لهذه الخاصية و هو إذن شرك بالله.                                                                                                                          
و من ذلك ما ادعاه فرعون إذ قال " أنا ربكم الأعلى " و الرب طبقا للشرح اللغوي (و هي القاعدة الموالية) هو المشرع و الإله هو الخالق. كما أن التوسع و القياس في الحرام قد يؤدي إلى الفوضى إذ يسمح كل من هب و دب لنفسه بالقياس و التوسع.  لذلك فالحرام يكون بنص من الله عز و جل و لا يمكن التوسع فيه و لا القياس عليه  و إن كان النبي الأعظم (ص) فليس له الحق في التحريم و هو ما نستشفه من الآية " أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". (التحريم الآية 1).  فلا يسن قوانين التحريم إلا المشرع بمعنى الرب وهو الله.  و لا يمكن تفسيرها إلى اعتمادا على الــشرح اللغوي، و هي القاعدة الثالثة .
-                   3- الإعتماد الشرح اللغوي في تفسير القواعد . (الفصل 532 م إ ع)
إن شرح الآيات لا يكون سوى انطلاقا من معانيها اللغوية الأصلية و ليست المجازية أو طبقا لما يقتضيها موقعها في الجملة.  فنحن نعلم أن معنى الكلمة يمكن أن يتغير انطلاقا من موضعها في سياق الكلام. لكن التفسير الصحيح للآيـــــات لا يكون إلا باعتماد الشرح اللغوي للألفـــــاظ و لا يمكن التغيير أو الزيـادة و النقصان فيه.
بقي أن نعرج عن القاعدة الرابعة و هي :
4 - العبارات التي ترد مطلقة تأخذ على إطلاقها. ( الفصل 533 م إ ع )
تفيد نقيض معنى القاعدة الثانية (الاستثناء لا يمكن التوسع فيه و لا القياس عليه). فإذا ورد اللفظ مطلقا بمعنى عاما يفيد الإطلاق كمعنى قوله " يا أيها المؤمنون" و هو توجه إلى كــل المؤمنين. أو كقوله " يا أيها الناس " فالله يخاطب كل الناس. إما إذا كانت العبارة " يا أيها النبي" فهو الاستثناء و "الحصر" إذ يتوجه المولى عز و جل إلى النبي دون سائر الخلق، فلا يمكن أن نتوسع و لا أن نقيس عليه حتى لا نحمل النص ما لا يتحمله.

الجزء الثاني : تفسير الآيات
أما الآية التي ورد بها ذكر الحجاب فهي :
{يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِن ذلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً} – سورة الأحزاب –الآية  53 "
في هذه الآية ذكر لنساء الرسول و ذكر للحجاب. و إذا ما توخينا منهجية الجزء الأول، فإننا نبدأ بالظروف التي حفت بنزول الآية.
تشير الآية إلى ما حدث من بعض المسلمين في بيت الرسول (ص) إذ دعاهم لطعام و زينب بنت جحش داخل البيت، فجلسوا يتـحدّثون فـي منزل رسول الله (ص)، وإذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة إلـى أهله ، فمنعه الـحياء أن يأمرهم بـالـخروج من منزله كما في إحدى الروايات[4]. أو إلى ما دار بين بعض المسلمين من حديث حول نساء الرسول (ص) ماذا سيكون مآلهن بعد وفاته (ص). هل سيتزوجهن أصحابه ؟ أم سيعتبرن أمهات المسلمين؟ كما في رواية أخرى. لذلك أمر الله المسلمين أن لا يدخلوا بيت النبي إلا بعد الاستئذان.  كما أمرهم أن يكلموا نســــاءه من وراء الحجـــــاب. و الحجاب كما أشرنا سلفا هو الستار المسدول بين طرفين أو جانبين.  و بالرجوع إلى قاعدة الاستثناء فإن هذه الآية تخص بالذكر نساء الرســـول و ليس كل النساء وهو ما ذهب إليه المفسرون في العهود الأولى منذ بداية ظهور الفقه. إلا أن البعض ،ممن في نفوسهم غاية، حين احتاجوا إلى تبرير مـــواقفهم و تفسيرها ادعوا أن ما يخص نساء الرسول يسحب على بقية المسلمات. و هذا ما يحمل النص ما لا يتحمله وهو مجانب لقاعدة أن الاستثناء لا يمكن التوسع فيه و لا القياس عليه مع العلم أن الله في هذه الآية استثنى نساء الرسول، و بالتالي هو افتراء على الله أريد به باطلا. "...أنهم فهموه ولكنهم حرفوه من أجل الهيمنة ولصالح السياسة القائمة[5]."
أما الآية الثانية و هي :
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً* الأحزاب : 59
للإنطلاق في تفسير هذه الآية سنورد، بداية، نصا مأخوذا من موقع إلكتروني، و هو لا يتحدث عن الخمار أو الحجاب أو النقاب بل عن الجلباب.
و ما يعاب على كاتبه هو اعتماده الكلي على مفسرين عاشوا منذ قرون. أي أنه نقل كليا تفاسيرهم دون أدنى محاولة للتحديث مقارنة مع معطيات الفكر الحديث و معطيات المجتمع المدني الحديث. و قد وقع ذكر هذا النص لمَ يمكن أن يمثله من خطورة على نفس القارئ خاصة إذا كان من بين ذوي النفوس الضعيفة أو المراهقين أو غيرهم ممن يسهل التغرير بهم. والنص هو التالي :
( يَقُول تَعَالَى آمِرًا رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا أَنْ يَأْمُر النِّسَاء الْمُؤْمِنَات الْمُسْلِمَات - خَاصَّة أَزْوَاجه وَبَنَاته لِشَرَفِهِنَّ - بِأَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ لِيَتَمَيَّزْنَ عَنْ سِمَات نِسَاء الْجَاهِلِيَّة وَسِمَات الْإِمَاء.
وَالْجِلْبَاب هُوَ الرِّدَاء فَوْق الْخِمَار.
قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَعَبِيدَة وَقَتَادَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَغَيْر وَاحِد وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِزَار الْيَوْم.
قَالَ الْجَوْهَرِيّ الْجِلْبَاب الْمِلْحَفَة قَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ هُذَيْل تَرْثِي قَتِيلًا لَهَا :
تَمْشِي النُّسُور إِلَيْهِ وَهْيَ لَاهِيَة    مَشْيَ الْعَذَارَى عَلَيْهِنَّ الْجَلَابِيب.
قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَمَرَ اللَّه نِسَاء الْمُومِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتهنَّ فِي حَاجَة أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوههنَّ مِنْ فَوْق رُءُوسهنَّ بِالْجَلَابِيبِ وَيُبْدِينَ عَيْنًا وَاحِدَة
وَقَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ سَأَلْت عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ" فَغَطَّى وَجْهه وَرَأْسه وَأَبْرَزَ عَيْنه الْيُسْرَى.
وَقَالَ عِكْرِمَة تُغَطِّي ثُغْرَة نَحْرهَا بِجِلْبَابِهَا تُدْنِيه عَلَيْهَا.
وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الطَّبَرَانِيّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ اِبْن خَيْثَمَة عَنْ صَفِيَّة بِنْت شَيْبَة عَنْ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ" خَرَجَ نِسَاء الْأَنْصَار كَأَنَّ عَلَى رُءُوسهنَّ الْغِرْبَان مِنْ السَّكِينَة وَعَلَيْهِنَّ أَكْسِيَة سُود يَلْبَسْنَهَا.
وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح حَدَّثَنِي اللَّيْث حَدَّثَنَا يُونُس بْن يَزِيد قَالَ وَسَأَلْنَاهُ يَعْنِي الزُّهْرِيّ : هَلْ عَلَى الْوَلِيدَة خِمَار مُتَزَوِّجَة أَوْ غَيْر مُتَزَوِّجَة ؟ قَالَ عَلَيْهَا الْخِمَار إِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَة وَتُنْهَى عَنْ الْجِلْبَاب لِأَنَّهُ يُكْرَه لَهُنَّ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ الْمُحْصَنَات وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتِك وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ[6]) .
يحيلنا هذا النص للحديث عن البنية العقلية لأهميتها. و البنية العقلية هي مجموع ما يحويه عقل الفرد أو المجموعة ( إذ هناك بنية عقلية للفرد و بنية عقلية جماعية) من أفكار، معلومات، تصرفات، علاقات، سلوكات، ثقافة، علم و غير ذلك.
لا شك أن المفسرين الذين وقع ذكرهم و هم يفسرون معنى الجلباب و طريقة وضعه لم يدخروا جهدا في فعل ذلك انطلاقا من معطيات و ظروف زمان و مكان حياتهم ( أي التاريخ). و التاريخ هو المحدد لنطاق البنية العقلية بكل محتوياتها، إذ الإنسان غير قادر على الإفلات من مقتضيات تاريخه. و هذه البنية العقلية طبعا تتغير بتغير الزمان و المكان. لذلك لن نقول إن ما ورد في هذا النص من تفسير للجلبـــاب و طريقة لباسه خطأ، و لكن نقول إن مثل ذلك التفسير لعله كان منـــاسبا للبنية العقلية، و بالتالي للحياة الاجتماعية، للعصر الذي وقع فيه التفسير. أما اليوم، و قد تغيرت البنية العقلية و أصبحت تتمثل في مــا يحويه عصر الحديث من حريــــات و حقــــوق و مساواة، و هي قيم ناضلت الإنسانية لأجلها على مدى عصور طويلة كي تتمكن من غرسها في التراث الإنساني و في معتقدات الأفراد و المجتمعات، فيكون من العبث الحديث عن نساء يضعن جلابيب و لا يظهرن إلا عينا واحـدة. لأن المرأة الــيوم ( و هي الأم و الأخت و الزوجة و غير ذلك ) أصبحت تناضل جنبا إلى جنب مع الرجل. و لأن المسـاواة، الــــيوم، بين الرجل و المرأة و بين كل الأجناس حقيقة لا مرد عنها. لكل  ذلك يكون من العبث الاعتقاد بأن تلبس المرأة خمارا أو جلبابا لا تظهر منه إلا عينها اليسرى. و إلا فإن ما بنته أجيال من المناضلين في سبيل ترسيخ مقومات المجتمع المدني يصبح مهددا، اليوم أكثر من كل وقت مضى، بالتدهور و الاندثار بسبب ما نراه و نسمع من أشباه الفقهاء عبر وسائل الإعلام اليومية،  خاصة بعض القنوات التلفزية التي تدعي أنها تقدم دروسا في الإسلام و كيف يجب أن يكون المسلم مع أن أغلب من تقدمه تشوبه الشوائب أكثر من المنافع.
أما بالنسبة للنقاب فلم ترد أي آية فيها ذكر للنقاب. و لكن يذكر بعضهم أن الرسول (ص) سئل عن النقاب فقال للفاتنات. و لكن لا نجد أثرا لمثل هذا الحديث في الصحيحين أو في غيرهما. ثم أن الأحاديث الموضوعة عن النبي تكاثرت منذ ظهور الملل و النحل والمذاهب، فمن المحتمل جدا أن يكون هذا الحديث موضوعا.
و للإضافة في هذا الإطار، أوضح الدكتور احمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر أن النقاب في حقيقته هو عادة من العادات القديمة المتوارثة، مشيرا إلى أنه لم يرد في الإسلام ما ينص على النقاب أو على كونه عبادة من العبادات، مؤكدا أن القرآن والسنة ينفيان النقاب[7].
الآية الأخيرة التي سيقع تحليلها و هي الأهم :
قال الله تعالى‏:‏ ‏ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون‏‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏ ‏.‏
و هي أهم باعتبار ورود لفظ الخمار فيها. و لذلك سوف يقع تناولها من جوانب أربع  و هي :
1-                الجانب الديني
2-                الجانب التاريخي
3-                الجانب الاجتماعي
4-                الجانب السياسي
للإشارة قبل البدء، هذه الجوانب الأربع و إن وقع تناولها منفصلة فهي، في الحقيقة، ليست كذلك. فما الحاجة للتقسيم إلا بيداغوجية، الغاية منها تسهيل تناول الموضوع.  لكن كل هذه الجوانب (و أخرى ) تتداخل و تكون وحدة متكاملة تتناول كل الموضوع.
1-                الجانب الديني : بالعودة إلى القاعدة الأولى التي تنص على الرجوع للظروف التي حفت بنزول النص، نلاحظ أن نساء العرب عند مجيء الإسلام كن يلبسن ملابسَ ذات جيب. و الجيب و جمعه جيوب طبقا لقاعدة الشرح اللغوي هو فتحة الصدر[8] من لباس المرأة في تلك الفترة. و لما كانت النساء يقبلن على الرسول و يظهر منهن البعض من صدورهن باعتبار أن الجيب كان يكشف ذلك الجزء، كان الرسول (ص) يستحي. فأنزل الله تعالى قوله "ليضربن بخمرهن على جيوبهن". و الخمار هو عبارة عن قطعة قماش توضع على الجيب. و قد قال الله جيوبهن و هو جمع الجيب و لو أراد لقال مثلا رؤوسهن أو شعورهن. و في ذلك مثلا قوله تعالى " و امسحوا برؤوسكم" في حديثه عن الوضوء. إلا أن الله حصر موضع الخمار على الجيب. و انطلاقا من قاعدة الاستثناء لا يقاس عليه و لا يمكن التوسع فيه، لا يمكن التوسع في جزء الجسد الذي أمر الله تغطيته بالخمار إذ في ذلك التوسع تحميلا للنص ماَ لا يتحمله، و هو افتراء على الله الذي حدد ضرب الخمار على الجيب، أي فتحة الصدر من اللباس. فهل نحن، أو فقهاءنا، أعلم بما يريده الله؟ لكن الحقيقة أن الانسان، بصفة عامة، يفسر ما يراه مناسبا لحــــاجياته و رغبـــاته ذاتية كانت أو موضوعية.  و تخاطب الآية كل المؤمنات على حد السواء، دون تمييز بين حرة أو أمة، طبقا للقاعدة الرابعة التي تنص أن اللفظ إذا ورد مطلقا أخذ على إطلاقه.
2-                الجانب التاريخي: لا يوحي شيء بأن الرسول الكريم (ص) كان يفرض على النساء لباسا معينا عند اعتناقهن الدين الإسلامي، و إلا لوجدنا، مثلا، حديثا صحيحا يقول فيه الرسول (ص) لنساء اللاتي تعلن إسلامهن أن تلبسن لباسا معينا. بل المرجح أن المـــــــلابس المتــــــداولة عند الـــــعرب و عند الأمــــم و المجتمعات التي دخلت الإسلام، في عهد الرسول و بعده، ظلت هي ذاتها، إلا ربما من بعض التغييرات، ضرورة أن لا تتنافى أو تتناقض مع تعاليم الإسلام. مما يسمح لنا باستنتاج أن انتشار الإسلام في مشارق الأرض و مغاربها، لم يتزامن مع فــــرض لنوع معين من الملابس لـــكل الــمسلمين، بل حـــــافظت الأمــم و المجتمعات على تقاليد ملابسها كما حافظت على كثير من التقاليد الأخرى بشرط أن لا تتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف. و لو كان الأمر مخالفا لذلك لأصبحت كل الأمم التي اعتنقت الإسلام، مهما كان موقعها على رقعة الأرض،  تلبس نفس الملابس. و ما تواصل تواجد تنوع الملابس التقليدية التي نجدها اليوم إلا دليلا على مـــــواصلة المجتمعــات و الأمم المحافظة على نفس ملابسها، مع ربما بعض التغييرات بسبب تلاقح الحضارات و ذلك بعد وصول العرب المسلمين إليها. و هذا ما يحيلنا للحديث عن الجانب الاجتماعي.
3-                الجانب الجتماعي : إن المشاهد للمجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج يلاحظ تنوع الملابس التقليدية عند النساء و الرجال على حد السواء. و هذه الملابس ليست وليدة اللحظة بل هي وليدة قرون مرت على الشعوب العربية منذ ما قبل الإسلام. و لنا مثلا أن نستحضر ما كــانت أمهاتنا إلى حدود الستينات أو ربما السبعينات من القرن العشرين ترتدين من ملابس أصلية تقليدية (مثل الملية، الحولي، القفطان، الفوطة و البلوزة السفساري ....إلخ) و هي ملابس مازالت متواجدة و لكن بصورة محتشمة في مناطق داخل البلاد.  هذا ما يثبت أن مسألة الخمار إلى حد السبعينات من القرن الماضي لم تكن مطروحة، على الأقل بالشكل الذي تحتله اليوم في الساحة العربية الإسلامية على الصعيد الفكري أو الواقعي. كما أن المتمعن في كثير من الصور القديمة لكثير من البلاد العربية، إن لم نقل كلها، خلال أواخر القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين، سواء كان عند أصحابها، ممن شغفوا بجمع الصور القديمة،  أو على الأنترنات (مثل الموقعين : www.abcdelacpa.com/www.tunisie-cpa-1900.net ) أو في المتاحف، فإننا نشاهد نساء يلبسن ملابس تقليدية تنتمي لجهتها أو لبلدها و لا نرى الخمار بالصفة التي نراها اليوم في شـــوارع بلادنا أو غيرها، فكأنه أصبح نوعا من الموضة لكثرة ما نشاهد من تنوع في أشكاله و ألوانه. و لعل هذا دليل آخر عن عدم وجود نموذج خمار إسلامي بل هو دليل أن لباس الخمار من وحي خيال الإنسان، أي هو اجتهاد لتفسير آية انحنى منحى معينا فأصبح على ما هو عليه اليوم. و لنا في اختلاف الملابس من قطر إسلامي إلى آخر إلا خير دليل على إختلاف التفاسير من مجتمع إلى آخر، فلا علاقة بين ما تلبسه المرأة الأفغانية و ما نراه في شوارعنا.
فكأن الخمــــار أصبح ظاهرة موضة ليس إلا تدل عن عدم وعي بما هو واجب و بما هو غير واجب في لباس المرأة طبقا لتعاليم الإسلامي. أي عدم وعي أن هناك فرقا بين ما فُرض على النســـاء في ارتداء الخمار و بين التفسير الفقهي للآية (و هي تفاسير متعددة و مختلفة) فكأن الأمرين تدخلا حتى أصبحا واحدا لا فرق فيهمـــا بين  الـمعنى القرآني و التفسير الإنساني. هذا ما يسمح لنا أن نعرج بالقول إننا في حاجة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى تعليم علمي موضوعي لديننا الحنيف يتناول المواضيع بتفسير عقلاني معمق يجعلنا نفرق بين ما ينفع الناس حقيقة و بين ما هو وهم، وهم الانتماء إلى الإسلام و وهم اكتساب الحقيقة.   ذلك لأن الاعتقاد بأن الخمار كما نراه في شوارعنا أو كما يُفسر أنه يضرب على كامل الجسد، هو الخمار المقصود بالآية الكريمة " و ليضربن بخمرهن على جيوبهن"، هو ضرب من الافتراء على الله، بسبب الادعاء بأن على المرأة ستر كامل جسدها. ...وهكذا غطى (الرجل) كل جسد المرأة بدلا من صدرها لأن بنية الأيمان لديه زئبقية، وروّع كل النساء بدلا من بعضها لأن بنية الحكم لديه هيولية. ويمكن تمثيل المنطق الصوري للآية بالرمز عندما تصبح التربية القويمة معيارا وحرية المرأة المبتغاة من حرية الرجل المتمثلة ليس بقضيبه ولكن بالمعرفة وسمو الأخلاق...[9].
 الجانب السياسي : يتضح مما سبق أن الإسلام لا يفرض على النساء المسلمــــات تغطية الـــــرأس و الشعر أو كامل الجسد، و لكن فرض تغطية الصدر فقط. فأساس المسألة ليسا دينيا و لا تاريخيا و لا اجتماعيا. إذن ما هو أساس المسألة ؟
لعل أساس المسألة سياسي. فمنذ تأسيس حركة الإخوان المسلمين على يد الشيخ حسن البنا في العشرينات من القرن العشرين ظهر الخمار بشكله تقريبا كما نعرفه اليوم، مع الأخذ بعين الاعتبار ما عرفه من تطور و تنوع.
فظهور الخمار، تزامنا مع واقع سياسي في فترة معينة، كان هدفه إبراز تواجد التيار الإسلامي على الساحة السياسية. فكأننا بالشيخ حسن البنا يردد :" التيار الإسلامي متواجد و هؤلاء أتباعه". فأساس المسألة في النهاية هو صراع للوصول إلى السلطة. يذكي نار الصراع الجهل بحقيقة الخمار و الجهل بالتعاليم للدين الإسلامي. هذا الجهل عاشته كل الشعوب العربية و الإسلامية خلال فترات طويلة و لازالت تعاني مخلفاته. فسَهُل على التيار الإسلامي نشر و بث أفكاره بين فئات المجتمع على اختلاف مشاربها و خاصة منها المعوزة لاعتقادها أن الإسلام أقدر على فض المشاكل دون غيره من التيارات و المذاهب.
بقية أن نشير أنه قبل حقبة العشرينات من القرن الماضي لا يوجد أثر لمسألة الخمار كما هي عليه اليوم، في مختلف كتابات الفقهاء. فالخمار موجود و لكن لا يمثل موضوعا للحوار يأخذ الجهد و الوقت. ثم احتد انتشار الخمار في المجتمعات العربية بعد نكسة 67 و خلال السبعينات خاصة. فكأن التيار الإسلامي اغتنم الحالة التي كانت عليها الشعوب العربية بعد الهزيمة ليزيد من نشر أفكاره، إقناعا للناس أن الإسلام يمثل أفضل السبل لفض مشاكل الشعوب.
إن المسألة و هي على ما هي عليه اليوم هي مسألة خاطئة (un faux problème). و هي تمنعنا من  استغلال الكفاءات و الإمكانيات و الوقت للبحث العلمي و التكنولوجي. فبينما يتقدم الغرب في حضارته نتيجة لما يعرفه من تقدم علمي و تكنولوجي و نتيجة لما سنه من قوانين تحمي الأفراد و الجماعات في حريتهم الفردية و الجماعية و تحمي حقوقهم، ما زال العالم العربي و الإسلامي يبحث إن كان الخمار واجبا على المرأة المسلمة أو لا، و قد كان من الأفضل أن نلتفت إلى مشاكلنا اليومية كالبطــــالة و الأمية و تفاوت الجهات و غيرها.
كما أن الحاجة إلى القضاء على مظاهر التخلف أصبحت ملحة. و من مظاهر التخلف، مع الأسف، الخمار على شاكلته اليوم بين الفئات، بخلفيته الإيديولوجية.
و قد تكون عودة الخمار بمثابة صيحة فزع لنا جميعا حتى نتدارك الأمر لإيقاف هذا التيار قبل فوات الأوان، إذا كنا نرغب، حقيقة، في فعل شيء تستفيد منه أجيال المستقبل.   



[1]  أسطورة الحجاب و حكم المنطق فيها في ظل الواقع المعاصر للمسلمين د. محمد صالح حسن أستاذ سابق بجامعة الخرطوم أستاذ حالي بجامعة كاليفورنيا – سكرمنتو)
[2]  تارخ الفلسفة العربية ج 2 ، تأليف حنا الفاخوري، خليل الحر، دار الجيل بيروت ص 405، الطبعة الثالثة 1993.
[3]  كما يقول السيوطي في الإتقان
[4]  البرهان تفسير القرآن الكريم لإبن كثير مصنف و لم يتم تدقيقه بعد

[5]  "الخمار ليس الحجاب"، د. أفنان القاسم، باريس http://misralhura.wordpress.com/2009/07/06/afnan-2/
[6]  http://www.qatarshares.com/vb/archive/index.php/t-138753.html
[8]  الجيب : جيب القلب و الصدر. و جيب القميص طوقه و جمعه جيوب. دائرة المعارف القرن العشرين المجلد الثالث حرف الجيم
[9]  "الخمار ليس الحجاب"، د، أفنان القاسم ، باريس http://misralhura.wordpress.com/2009/07/06/afnan-2/

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire