هذا النص كتبته قبل الثورة ببضع أشهر ( سبتمبر 2010). لم أغير فيه إلا بعض الكلمات و أقدمه على حالته لعله يفيد و يستفاد منه.
عاد الخمار إلى شوارع بلادنا بصفة تثير الانتباه بعد احتجابه برهة من الزمن، خاصة خلال
العشرية الأخيرة من القرن الماضي. يدفعنا ظهور الخمار للتطرق إليه ، كظاهرة غزت
مجتمعنا، رغبة في المساهمة للدفاع عن مكاسب المجتمع المدني في إطار حوار حضاري
مبدأه احترام الآخر مهما اختلفت آراؤنا.
و ما نسعى إليه في الحقيقة هو محاولة إثبات
وجوب الخمار من عدمه انطلاقا من الآيات الورادة بالقرآن الكريم. أي هل من
واجب على المرأة ارتداء خمار يستر كامل
جسدها أم كامل رأسها أو فقط فتحة الصدر من اللباس؟ (
أي تغطية الصدر).
و سنتطرق لموضوع الخمار بتجزئته إلى جزئين. الجزء الأول مخصص للحديث عن المنهجية التي من خلالها يقع تحليل هذا الموضوع. و
هذه المنهجية تتمثل أساسا في طرح قواعد عملية للتفسير في التشريع الإسلامي اعتمدها
أغلب الفقهاء إن لم نقل كلهم. هذه القواعد هي نفسها يتعامل بها اليوم طـلاب
القانون و الأساتذة، و رجال القانون بصفة عامة، في تأويل
القواعد. نجد هذه القواعد الأربع في مجلة الالتزامات و العقود التونسية, مأخوذة من مجلة
الأحكام العدلية التي صدرت في القرن التاسع شر ميلادي في الـــدولة العثمانية. و هي:
-
الرجوع إلى
الظروف التي حفت بنزول النص . (الفصل 532 م إ ع)
-
الاستثناء لا
يمكن التوسع فيه و لا القياس عليه (الفصل 540 م إ ع)
-
اعتماد الشرح
اللغوي في تفسير الألفاظ . (الفصل 532
م إ ع)
-
العبارات التي
ترد مطلقة تأخذ على إطلاقها . ( الفصل 533 م إ ع )
أما الجزء
الثاني فيتناول تفسير الآيات الثلاث التي تشير إلـى لباس الــخمار و الــحجاب و الجلباب ثم إبداء رأي
حول النقاب و ذلك بعد تفسير هذه الألفاظ. و الآيات الثلاث هي
:
{يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ
إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا
دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ
إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي
مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ
ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ
اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِن ذلِكُمْ كَانَ
عِندَ اللَّهِ عَظِيماً} – سورة الأحزاب –الآية 53
"
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل
لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن
جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُوراً رَّحِيماً* الأحزاب : 59
للإشارة، قبل البدء في التحليل، هناك حديثان نبويان في
هذا المقام يستند إليهما دعاة الحجاب، الأول مروي على لسان عائشة زوجة الرسول
" لا يحل لأمرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر إذا حركت ( إي إذا بلغت ) أن تظهر
إلا وجهها و يديها إلى ههنا ( و قبضت على نصف الذراع )" و الحديث الثاني عن أبي داود عن عــــائشة :
" أن اسماء بنت أبي بكر دخلت على الرسول فقال لها : يا اسماء ، إن المرأة إذا
بلغت المحيض لم يصلح أن يرى فيها إلا هذا ، و أشار إلى وجهه و كفيه " هذان الحديثان لم يردا في الصحيحين فليسا
كالأحاديث التي صح عليها الإقطاع و الإجماع .
و للتوضيح هذا
الطرح ليس إلا إبداء وجهة نظر لا لاتخاذ موقف ضد الخمار و لا معه، إذ شعائر اللباس
من الحريات الفردية، فكل منا حر في ارتداء ما يحلو له طالما لا يمثل ذلك تعديا على
حريات و حقوق الآخرين و طالما لا يمثل ذلك خرقا للقوانين.
و للتوضيح،
أيضا، فأن الحديث عن الخمار ليس دعوة لارتداء الملابس الخليعة...
كما يجدر بنا تعريف الخمار و الحجاب و النقاب و
الجلباب قبل الخوض في جوهر المسألة :
الخمار : جمعه أخمُر و خُمُر. و خُمرٌ ما تغطي به
المرأة رأسها. دار المشرق بيروت الطبعة الحادية و الأربعون 2005 .
الحجاب : حجب يحجب حجب و حجابا ستره. ( و تحجب عنه
و احتجب) تستر عنه. و الحاجب البواب. دائرة المعارف القرن العشرين المجلد الثالث
حرف الحاء.
: من حجبه حجبا و حجابا حجَب : ستره تحجَب و
احتجب تستر الحجاب جمعه حُجُب الستر و كل ما احتجب به. المنجد في اللغة و الإعلام.
دار المشرق بيروت الطبعة الحادية و الأربعون 2005 . فيتبين من هذا أن الحجاب هو الستار.
النقاب : جمعه نُقُب : القناع تجعله المرأة
على مارن أنفها و تستر به وجهها. دار
المشرق بيروت الطبعة الحادية و الأربعون 2005 .
الجلباب : و الجلبَاب جمعه جلابيب القميص أو الثوب
الواسع. دار المشرق بيروت الطبعة الحــــادية و الأربعون 2005 .